أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

"قصة الوصية الغريبة" حكاية ما قبل النوم للأطفال والكبار

تعتبر قراءة أو الاستماع إلى الحكايات والقصص قبل النوم من التقاليد القديمة التي انتشرت بين الأطفال والكبار من مختلف الثقافات حول العالم، فهي ليست مجرد قصص ممتعة لتسلية الصغار قبل الخلود إلى النوم، بل تتجاوز ذلك لما تحمله من تجارب وحكم مفيدة ذات قيمة مضافة لتعزيز خبرات البالغين.

حكاية ماقبل النوم مكتوبة

حكاية ما قبل النوم للكبار

هذه الحكاية تحمل بداخلها عبر وحكم بليغة، فهي تكشف ظاهرة سلبية في حياتنا في هذا العالم الذي تبدو فيه المظاهر السطحية أحيانًا أكثر إشراقًا من الحقيقة الداخلية، نجد أنفسنا غالبًا ما ننخدع بمشاهدة القشور وننسى أهمية اللب.

وتذكرنا هذه الحكاية الجميلة المأخوذة من التراث الشعبي العربي، بأن الحقيقة الداخلية والفوز الحقيقي يظهران بصعوبة، ولكنهما يستحقان السعي والتحدي.

دعونا نحافظ على نقاء البصيرة لنرى ما وراء السطح، ولنسعى جاهدين نحو الفوز الحقيقي والمستدام في حياتنا.

قصة الوصية الغريبة من حكايات ما قبل النوم الهادفة للأطفال والكبار 

تدور أحداث القصة حول شيخ من أعيان إحدى القبائل العربية، كان له أربعة أبناء كلهم ذكور، وعندما شعر الشيخ بقرب نهايته، أمر خادمًا من خدمه بجلب أربع صناديق مغلقة وبِسِرِّية تامة، فوضع الشيخ داخل كل صندوق مقتنيات مختلفة، ثم كتب اسم أحد أبنائه الأربعة على كل صندوق.

بعد ذلك، دعا أبناءه وقال لهم: "أيها الأبناء، إن الحياة دنيا فانية ولا ندري موعد الرحيل، وقد قسمت ميراثي بينكم بشكل عادل، ومقتنياتي موجودة في هذه الصناديق، عندما يحين موعد وفاتي افتحوا الصناديق، كل صندوق مخصص لكل منكم بإسمه، وكونوا راضين بحظكم، وإذا اختلفتم فعليكم التوجه إلى القاضي فلان، فهو معروف بحكمته في المنطقة، وأطلب الله لكم الهداية والتوفيق".

بعد فترة توفي الشيخ واجتمع أبناؤه الأربعة بعد المراسيم ليأخذ كل واحد نصيبه، وعندما فتحوا الصناديق وجد الأكبر في صندوقه السيف والخاتم والراية، ووجد الثاني الرمل والحجارة، بينما وجد الثالث العظام، أما الأصغر فوجد الذهب والفضة، حينها تباينت آراؤهم وتعارضت وقد بادروا للطمع في نصيب الأصغر منهم.

ولكن سرعان ما تذكروا حكمة أبيهم ووصيته بالتوجه إلى القاضي المشهور بحكمته، فاتفقوا على ضرورة الالتزام بذلك، وقرروا السفر إلى القاضي، بدأوا الرحلة وخرجوا من قريتهم إلى أن بلغوا وسط الطريق، حيث وجدوا ثعبانًا صغيرًا يعترض طريقهم، عندما بدا الأصغر منهم يستعد لضربه، لم يتوفق في ذلك وأخطأه، فانفتح فم الثعبان وكاد يسد الطريق عليهم.

قرروا الفرار واستمروا في السير تاركين الثعبان وراءهم، عندما مر الربع الثاني من الطريق، وجدوا جملا في أرض جرداء، وكان الجمل سمينًا ولم تظهر عليه علامات الجدب والفقر، وبعد فترة من المشي وجدوا جملًا آخر وكان هزيلاً في روضة خضراء، استغربوا هذا التباين بشدة وواصلوا سيرهم.

وعندما بقي القليل من المسافة، رأوا طائرًا يحلق حول سدرتين، يجعل إحداهما تزهر وتنمو عندما يهبط عليها بينما تذبل الأخرى، هذا الظرف أدهشهم واستمروا في حيرتهم حتى وصلوا إلى القرية التي يقيم فيها القاضي، حينها طلبوا إرشادهم إلى بيت القاضي.

طرقوا الباب وفتح لهم شيخ كبير ضعيف البصر، سألوه عن مكان القاضي، فأكد لهم أنه هو الأخ الأصغر للقاضي.

أشار لهم إلى بيت مجاور، فانطلقوا نحوه بسرعة وهم يتساءلون كيف يمكن لشيخ في هذا السن والهرم أن يقضي بيننا؟ وإذا كان هذا شقيقه الأصغر، فماذا عنه؟ طرقوا الباب ففتحت لهم امرأة بوجه بشوش واستقبلتهم.

عندما سألوها عن القاضي المسن، قالت لهم: "نعم موجود، ادخلوا إلى الصالة وانتظروه هناك"، دخلوا وجلسوا وأحضرت لهم واجب الضيافة، وعندما انتهوا من احتساء القهوة، دخل عليهم الشيخ وسلّم عليهم، لقد كان رجلا نشيطا قليلًا، ولكنهم لم يشعروا منه بالترحيب الحار.

قال أحدهم، وهو الكبير في السن: "يا شيخ، عندما قررنا المجئ إليك كان السبب مسألة واحدة فقط، لكن في طريقنا إليك واجهنا أربع مسائل، فأدهشتنا وأربكتنا كثيرًا"، رد الشيخ: أحكوا لي تلك الأربع مسائل التي واجهتموها في الطريق، ثم اعرضوا لي مسألتكم التي أتيتم من أجلها في الأساس، عسى أن يوفقنا الله جميعًا لحلها.

فقال الكبير: "المسألة الأولى، عندما اتجهنا إليك، وجدنا ثعبانًا صغيرًا، وعندما حاول أحدنا التصدي له، فتح فمه وكان عريضًا للغاية، وكاد أن يحجب الطريق عنا، ولولا أننا تمكنا من التسلل من تحته لما نجونا، قال القاضي: "هكذا، أيها الأبناء يبدأ الشر بصورة صغيرة ويستطيع كل شخص تجنبها، لكن إذا ترك له المجال يكبر وينتشر".

ثم قال: "والآن، أخرجوا المسألة الثانية"، فقال أحد الأخوة الحاضرين: "المسألة الثانية، عندما كنا في الطريق، وجدنا جملبن، الأول كان يرعى في أرض جرداء وقاحلة وكانت حالته سمينة، أما الثاني فكان يرعى في أرض خضراء وغنية وكانت حالته هزيلة.

فعجبنا من الاختلاف الواضح بينهما"، فأجاب القاضي: "أما الجمل الأول، السمين القانع بما أعطاه الله، فيستغل موارده بالشكل الصحيح ويعيش براحة في دنياه، أما الثاني فهو كالرجل الغني المبذر الذي يفشل في الاستفادة من ثروته".

عنده خيراتٌ تعجز الألسنة عن وصفها، مالٌ يملأ الخزائن وولدٌ يُشعِل الأمل في قلبه، ولكن، لا يصدح شكرًا لربه على هذه النعم الفائقة، ولا يلتفت إلى الجمال الذي بين يديه، يعيش في عالمٍ من الغفلة والتجاهل، يغوص في بحر الثراء دون أن يستقي منه قطرةً واحدة من الحكمة.

ثم تحدث الأخ وقال: ونحن في طريقنا، ظهر لنا طائرٌ غريب يحمل في جناحيه أسرار الحياة، عندما يلامس الأرض، تزدهر إحدى أجنحته باللون الأخضر وتذبل الأخرى.

في تلك اللحظة، يُسدل الشيخ الستار على اللغز، ويكشف الحقيقة بحكمته: إنها قصة رجلٍ متزوج بزوجتين، تتراقص حياته بين رضا إحداهن وغضب الأخرى، وهو كالقمر المتلاطم في سماءٍ متقلبة، يحمل في رحلته الخيار بين الليل والنهار.

ثم قال أخوهم: عندما سألنا عن منزلك، أرشدونا إلى بيت الأخ الأصغر لك، لنجد شيخًا هاربًا من عيني الزمن، يرى في وجهه آثار السنين والحكايات، وحين يُسأل عنك، يجيب بتواضع: "هو هنا، لكن داره هناك"، وعندما وصلنا إليك، تزايد إعجابنا بك.

قال الشيح: "بفضل الله، أنا بصحة جيدة رغم كبر سني مقارنة بأخي الأصغر الذي يعاني من ضعف صحي، وذلك بسبب زوجته التي تتمتع بلسان حاد وأسلوب نقاش سئ، مما يجعله في حالة من الإجهاد والتوتر يومياً، أما أنا، فأنعم الله علي بحياة هانئة وسعيدة، وأدعو الله أن يحفظها لي دائماً."

زوجتي صالحة وأمينة، ولقد رأيتم كيف جئتم وأنا نائم، ولم توقظني حتى جهزت القهوة وكل ما تحتاجونه، ثم أيقظتموني، فجئتُكم وأنا نشيط ومرتاح، والحمد لله على ذلك، هذا سر سعادتي،" قال المتحدث منهم، وهو الأكبر، "وسر سعادتنا هو أننا أبناء شيخ قبيلتنا، وسمينا تحت اسم قبيلته، وقدمنا العزاء بوفاة والدنا.

بعد أن قسم والدنا ثروته بيننا ووضعها في صناديق، بعد وفاته فتحناها لنجد في كل صندوق اسماً واحداً لكل منا، في الأول وجدنا السيف وختم الرئاسة والراية، وفي الثاني وجدنا الرمل والحجارة، وفي الثالث العظام، وأما في الرابع فوجدنا الذهب والفضة، فاختلفت الآراء حينها حول هذا الأمر.

وأوصانا والدي قبل وفاته بالعودة إليكم، فإذا ها نحن قد حضرنا لتقييم حكمكم بما يرضي الله، ونتوسل إلى الله أن يهديكم للعدل والإنصاف، ونحن على استعداد تام لتنفيذ قراراتكم بيننا إن شاء الله."

فرد القاضي: "والدكم كان رجلاً حكيمًا جدًا، أيها الأبناء، لقد قسم والدكم الحقوق بينكم بالعدل، فمن حصل على السيف والراية والختم، فهو الشيخ الحكيم ورث الحكمة من أبيه وبذلك يكون زعيم القبيلة.

عليكم أن تطعيوه وتسمعوا له، والرجوع له في كل أمر، والذي من نصيبه الحجارة والرمل، فنصيبه من ورث أبيه البيوت والعقارات والأراضي، وأخوكم الذي كان نصيبه العظام، فله من ورث أبيه الخيول والإيل والأبقار والغنم، أما أخوكم الذي كان من نصيبه الفضة والذهب، فهو الأضعف بينكم، لا تنسوه عندما ينتهي ما لديه من أموال.

ندعو الله أن يحفظكم ويرعاكم أيها الأخوة الأربعة، ثم انصرفوا من عند الشيخ راضين بالحكم الذي أصدره لهم، فهم راضون بما فرض عليهم من حكم وما أوجب عليهم والدهم من وصية والدهم.

 قصة ملهمة تجسد كيف توجه هؤلاء الزوار إلى الشيخ بحالة غضب، وكان هدفهم معرفة الحقيقة والتوجه نحو الإرشاد الصحيح، ولكن عندما رجعوا من عنده، عادوا بوضع مختلف تمامًا عن ما جاءوا به، فتغيرت آفاقهم وتحولت تصوراتهم، هذه القصة تحمل في طياتها العديد من الدروس والعبر للباحثين عن الحقيقة والتوجه نحو الرشاد.